آمال المنطقة بحاجة لإنعاش قبل فوات الأوان

أفشين مولافي

“أود السفر إلى دبي أو أبوظبي أو أي مكان آخر في منطقة الخليج العربي لأحصل على وظيفة جيدة، جلّ ما أطمح إليه هو عيش حياة طبيعية بعيداً عن كل المشاكل والاضطرابات هنا”.

دار هذا الحوار قبل بضع سنوات من اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011 في مصر والعديد من دول العالم العربي. كان الحوار مع أحد طلاب الدراسات العليا المصريين فيما كان يشاركني حلمه الوردي مع مغيب الشمس فوق نهر النيل، حاله في ذلك طبعاً حال العديد من شباب في دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط الذين لم تفارق هذه الأحلام مخيلتهم منذ ذلك الحين.

واليوم، تكشف النسخة الأحدث من استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي لرأي الشباب العربي عن انقسام حاد في العالم العربي بين شباب دول مجلس التعاون الخليجي المتفائل نسبياً من جهة وشباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط المحبَط والقلِق من جهة أخرى.

وعلى صعيد العديد من القضايا الرئيسية، يبدو وكأن المجموعتين – شباب دول مجلس التعاون الخليجي وشباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط – تعيشان في عالمين مختلفين أيّما اختلاف.

دعونا نتمعن بالسؤال الأساسي الذي طرحه الاستطلاع هذا العام: “بالنظر إلى السنوات الخمس الماضية، هل تعتقد أن الأمور في بلدك تسير في الاتجاه الصحيح أم الخاطئ بشكل عام؟”.

71% من شباب دول شرق المتوسط قالوا إن بلدانهم تسير في الاتجاه الخاطئ، وشاركهم هذه النظرة المتشائمة 61% من شباب دول شمال أفريقيا. وفي المقابل، أعرب 16% فقط من شباب دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقهم إزاء سير بلدانهم في الاتجاه الخاطئ، وهو ما يعكس تفاؤلاً أكبر بكثير من أقرانهم في باقي أنحاء العالم العربي.

ولعل مخاوف الشباب العربي في دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط بشأن الاتجاه الذي تسير فيه بلدانهم، تعزى جزئياً إلى انعدام ثقتهم بحكوماتهم؛ حيث أبدت نسبة لا تتجاوز الثلث من شباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط موقفاً إيجابياً عند سؤالهم عما إذا كانت حكوماتهم تمتلك السياسات المناسبة لمعالجة مشاكلهم، في حين أعرب 83%  من شباب دول مجلس التعاون الخليجي عن ثقتهم بحكوماتهم.

علاوةً على ذلك، يشعر شباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط أن حكوماتهم لا تهتم لرأيهم، حيث قال ثلثهم فقط إن أصواتهم مهمة في صنع القرار الحكومي، بينما قال 78% من شباب دول مجلس التعاون الخليجي إن قيادة بلدانهم تهتم لآرائهم.

وتشير هذه النتائج إلى مستوى التململ والقلق والإحباط لدى شباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط وتضاؤل أملهم بالمستقبل. وبعد مضي أكثر من عشرة سنوات على أحداث الربيع العربي التي فجرت خيبات متراكمة على مدى سنوات أو حتى عقود، لم نلمس تقدماً ملحوظاً للأسف؛ حيث كانت نسبة بطالة الشباب حوالي 25% في المنطقة عشية تلك الأحداث، ولا تزال على حالها تقريباً.

بالعودة إلى استطلاعات رأي الشباب العربي للأعوام 2008 – 2010، يمكن ملاحظة جذوة الانتفاضات الكامنة في آراء الشباب القلق. فعند التعمق في تفاصيل تلك النتائج، نستطيع أن نلمس حالات متكررة من انعدام اليقين والإحباط إزاء الهموم اليومية مثل ارتفاع تكلفة المعيشة والبطالة. وحتى حينها كان من الواضح للغاية الشرخ الفاصل بين تطلعات وآمال شباب دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وشباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط من جهة أخرى، ويبدو أن الأمور لا تزال تسير على المنوال ذاته.

وفيما يخص تغطية النفقات أو العثور على وظيفة جديدة أو سداد الديون، جاءت نتائج شباب دول مجلس التعاون الخليجي في استطلاع عام 2023 مرة أخرى أفضل من نتائج أقرانهم في باقي أنحاء المنطقة رغم تقلص الفجوة بشكل أكبر على صعيد أعباء الديون.

ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن حوالي 55٪ من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً، وربع هؤلاء تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. وبشكل أو بآخر، فإن نجاح الدول والمناطق يتوقف على المساحة التي توفرها الحكومات للاستثمار في طاقات الشباب؛ ففي ظروف مواتية، يمكن للشباب أن يكونوا محركاً إيجابياً للابتكار والتغيير ودفع عجلة الاقتصاد المتنامي.

وعلى الرغم من عدم وجود نهجٍ قابل للتعميم، إلا أن المكونات الأساسية اللازمة لنجاح تلك المساعي تتمثل في توفير مزيج من الأنظمة التعليمية المتينة، والقطاع الخاص القوي، والبيئة الآمنة المستقرة، والمنظومة القانونية الداعمة لرواد الأعمال، والبنية التحتية الراسخة. ورغم توافر هذه العناصر جميعها لدى العديد من الدول العربية، يبقى هناك عامل غير ملموس يصعب قياسه لكنه محوري لبناء مستقبل الدول وهو: الأمل.

وترصد نتائج استطلاع أصداء بي سي دبليو لرأي الشباب العربي 2023 اتساع فجوة الأمل بين شباب دول مجلس التعاون الخليجي وأقرانهم في المنطقة. ولا يوجد ما هو أشد مأساويةً أو تدميراً لمستقبل الشعوب من جيل يائس مهدور الإمكانات كل ما يصبو إليه هو الرحيل، لكنها الحقيقة المرّة للأسف في العديد من دول المنطقة.

ومع ذلك، تكشف نتائج الاستطلاع عن بعض بوادر الأمل؛ حيث أعرب المزيد من الشباب العربي – وللمرة الأولى منذ خمس سنوات – عن رغبتهم بالعمل في القطاع الخاص بدلاً من الوظائف الحكومية، كما أشار عدد أكبر إلى رغبتهم في بدء أعمالهم الخاصة (42%). وبالرغم من اتساع الفجوة بين شباب دول مجلس التعاون الخليجي (الأكثر تفاؤلاً) وأقرانهم في المنطقة فيما يخص الصعوبات المتوقعة لبدء أعمالهم الخاصة، إلا أن ميل أكثر من ثلث شباب دول شمال أفريقيا وشرق المتوسط لخوض غمار ريادة الأعمال هو أمرٌ واعد ومبشر بطبيعة الحال.

إن أي شخص سافر عبر أرجاء العالم العربي لا بد وأنه لمس على الفور ما يتمتع به شباب المنطقة من مرونة وديناميكية وإمكانات واعدة. كل ما يحتاجونه هو مجرد تحفيز بسيط حتى يقود هؤلاء الشباب بلدانهم نحو آفاق جديدة كلياً.

بعد 15 عاماً من الاستطلاعات، أصبحت رسالة الشباب العربي واضحة للغاية؛ جلّ ما يريدونه هو فرصة مناسبة للازدهار، وبيئة متكافئة تتيح لهم استثمار مواهبهم وطاقتهم في بلدانهم. هذه مطالب محقة، وهم يستحقون أن يُسمع صوتهم.